فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال محيي الدين الدرويش:

(30) سورة الرّوم مكيّة وآياتها ستون.
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.

.[سورة الروم: الآيات 1- 7].

{الم (1) غُلبَت الرُّومُ (2) في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ (3) في بضْع سنينَ للَّه الْأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ (4) بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ (5) وَعْدَ اللَّه لا يُخْلفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهرًا منَ الْحَياة الدُّنْيا وَهُمْ عَن الْآخرَة هُمْ غافلُونَ (7)}.

.اللغة:

{الرُّومُ} سيأتي ما يقوله التاريخ عنهم في باب الفوائد.
{بضْع سنينَ} تقدم معنى البضع في سورة يوسف واختلاف العلماء في عدده، واختار الأصمعي أنه من الثلاث إلى العشر.

.الإعراب:

{الم غُلبَت الرُّومُ} ألم تقدم القول في إعرابها، وغلبت فعل ماض مبني للمجهول والروم نائب فاعل.
{في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ} في أدنى متعلقان بغلبت والواو عاطفة وهم مبتدأ ومن بعد غلبهم الجار والمجرور متعلقان بقوله سيغلبون وغلبهم مصدر الفعل المبني للمجهول وقد أضيف إلى مفعوله وجملة سيغلبون خبر المبتدأ.
{في بضْع سنينَ للَّه الْأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ} في بضع سنين متعلقان بقوله: {سيغلبون} أيضا وسيأتي سر إبهام عدد السنين في باب البلاغة وللّه خبر مقدم والأمر مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة كأنه جواب لسؤال مقدر وهو أي فائدة في ذكر قوله: {من بعد غلبهم} لأن قوله: {سيغلبون} لا يكون إلا بعد الغلبة؟ فأجيب بأن فائدته اظهار تمام القدرة وبيان أن ذلك بأمر اللّه تعالى وحده ومن قبل متعلقان بمحذوف حال ومن حرف جر وقبل وبعد ظرفان بنيا على الضم لقطعهما عن الاضافة لقظا لا معنى ثم جرّا بمن وبقيا على ضمهما أي من قبل غلب الروم ومن بعده {وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ} الواو عاطفة ويومئذ ظرف أضيف إلى مثله وهو متعلق بيفرح والتنوين عوض عن جملة كما تقدم أي يوم تغلب الروم وبنصر اللّه متعلقان بيفرح أيضا وجملة ينصر من يشاء مستأنفة لاظهار صدق المؤمنين ومن اسم موصول مفعول لينصر وجملة يشاء صلة وهو مبتدأ والعزيز خبر أول والرحيم خبر ثان.
{وَعْدَ اللَّه لا يُخْلفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ} {وعد اللّه} مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت وهي قوله: {سيغلبون} و{يفرح المؤمنون} وجملة {لا يخلف اللّه وعده} إما مفسرة مقررة لمعنى المصدر فلا محل لها وإما حالية من المصدر والواو حالية ولكن واسمها وجملة {لا يعملون} خبرها.
{يَعْلَمُونَ ظاهرًا منَ الْحَياة الدُّنْيا وَهُمْ عَن الْآخرَة هُمْ غافلُونَ} جملة يعلمون قيل هي مستأنفة وهو قول سليم لا اعتراض عليه وقال الزمخشري: بدل من قوله: {يعلمون}وفي هذا الابدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود الجهل الذي لا يتجاوز الدنيا، وقوله: {ظاهرا من الحياة الدنيا} يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة وقول الزمخشري أقعد بالفصاحة وأملى بالبلاغة ولكن ابدال المثبت من المنفي لا يصح كما تنص عليه قواعد النحو. وهم مبتدأ وعن الآخرة متعلقان بغافلون وهم تأكيد لهم الأولى وغافلون خبرهم الأولى ويجوز أن تكون هم الثانية مبتدأ ثانيا خبره غافلون والجملة خبر هم الأولى.

.البلاغة:

1- الإبهام:
في قوله: {في بضع سنين} إبهام وفائدة التفخيم وإدخال الرهبة في قلوب المشركين في كل وقت والاشعار بأن زهوهم بأنفسهم واعتدادهم بقوتهم ليس إلا حين يطول أو يقصر ولكنه آيل إلى الانتهاء ومفض إلى العاقبة الحتمية وهي الارتداد والانتكاس، وقد تقدم ذكر الإبهام كثيرا.
2- التنكير:
وذلك في قوله: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} وفائدته تقليل معلومهم، وتقليله يقربه من النفي حتى يطابق المبدل منه وهو قوله: {لا يعلمون} وهذا ما يرجح البالية وللّه در الزمخشري ما أبعد غوره، وأصقل ذهنه، وعن الحسن انه قال في تلاوته هذه الآية: بلغ من صدق أحدهم في ظاهر الحياة الدنيا أنه ينقر الدينار بإصبعه فيعلم أجيد هو أم رديء وفي هذا تعليل للعلم الذي بلغ أبعد آماده فغاص في الدأماء، وحلق في أجواز الفضاء، وفطن إلى أبعد السرائر، ومكنون الضمائر، ولكنه حين يعرض لما استسر من أسرار الكون كالمبدأ والمعاد والمنتهى وقف ضئيلا لا يبدىء ولا يعيد.
3- التعطف:
في قوله: {وهم عن الآخرة هم غافلون} فن التعطف وهو إعادة اللفظة بعينها في الجملة من الكلام أو البيت من الشعر فقد ردد {هم} للمبالغة في تأكيد غفلتهم عن الآخرة.

.الفوائد:

ما يقوله التاريخ:
الرُّومُ اسم أطلقه العرب على البيزنطبيين ويطلق اليوم على المسيحيين الشرقيين الملكيين من كاثوليك وأرثوذكس، والامبراطورية الرومانية الشرقية عرفت بالبيزنطية نسبة إلى بيزنطية اسم القسطنطينية القديم سمى العرب سكانها الروم، وأول أباطرة البيزنطين قسم أبوه ثيودوسيوس الامبراطورية إلى غربية وعاصمتها روما والى شرقية وعاصمتها القسطنطينية. وسبب نزول الآية أنه كان بين فارس والروم قتال، فاحتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم فبلغ الخبر مكة فشق على النبي والمسلمين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب وفرح المشركون وشمتوا وقالوا للمسلمين انكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وفارس أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم ولنظهرن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر: لا يقرر اللّه أعينكم فو اللّه لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبيّ بن خلف: كذبت، فقال له الصديق: أنت أكذب يا عدو اللّه، فقال: اجعل بيننا أجلا أنا حبك عليه، والمناحبة بالحاء المهملة المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين فلما خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر أتاه ولزمه وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفله له ابنه عبد اللّه بن أبي بكر فلما أراد أبيّ أن يخرج إلى أحد أتاه عبد اللّه فلزمه وقال: لا واللّه لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد ثم رجع إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه إياها النبي حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ وجاء به إلى رسول اللّه فقال له تصدق به.

.[سورة الروم: الآيات 8- 10].

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنْفُسهمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إلاَّ بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإنَّ كَثيرًا منَ النَّاس بلقاء رَبّهمْ لَكافرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلهمْ كانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالْبَيّنات فَما كانَ اللَّهُ ليَظْلمَهُمْ وَلكنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقبَةَ الَّذينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بآيات اللَّه وَكانُوا بها يَسْتَهْزؤُنَ (10)}.

.الإعراب:

{أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنْفُسهمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إلَّا بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على مقدر يقتضيه السياق ولم حرف نفي وقلب وجزم ويتفكروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل وفي أنفسهم متعلقان بيتفكروا وما نافية وخلق اللّه السموات فعل وفاعل ومفعول به والجملة مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها وقيل هي في محل نصب معلقة للتفكر فتكون في محل نصب على إسقاط الخافض وإلا أداة حصر وبالحق حال أي مصحوبة بالحق قال الزمخشري: والباء في قوله إلا بالحق مثلها في قولك دخلت عليه بثياب السفر واشترى الفرس بسرجه ولجامه تريد اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام غير منفك عنهما وكذلك المعنى ما خلقها إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به وأجل عطف على الحق ومسمى نعت لأجل.
{وَإنَّ كَثيرًا منَ النَّاس بلقاء رَبّهمْ لَكافرُونَ} الواو حالية وإن واسمها ومن الناس صفة لكثيرا وبلقاء ربهم متعلقان بكافرون واللام المزحلقة وكافرون خبر إن.
{أَوَ لَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلهمْ} الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي والواو عاطفة على مقدر يقتضيه السياق أي أقعدوا في أماكنهم ولم يسيروا، ولم حرف نفي وقلب وجزم ويسيروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل وفي الأرض متعلقان بيسيروا فينظروا الفاء عاطفة على يسيروا ولك أن تجعل الفاء سببية ويسيروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لكان وعاقبة اسمها والذين مضاف اليه ومن قبلهم صلة الذين.
{كانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوها} جملة كانوا إما تفسيرية لا محل لها ولك أن تجعلها تابعة على البدلية، وكان واسمها وأشد خبرها ومنهم متعلقان بأشد وقوة تمييز وأثاروا الأرض عطف على كانوا وعمروها عطف أيضا وهو فعل وفاعل ومفعول به وأكثر نعت لمصدر محذوف أي عمارة أكثر من عمارتهم ومما متعلقان بأكثر وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بمن {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالْبَيّنات فَما كانَ اللَّهُ ليَظْلمَهُمْ وَلكنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ} وجاءتهم رسلهم فعل ومفعول بهم وفاعل وبالبينات متعلقان بجاءتهم والفاء عاطفة وما نافية وكان واسمها واللام لام الجحود ويظلمهم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف وقد تقدم تقريره ولكن الواو حالية ولكن حرف استدراك مهمل وكانوا فعل ماض ناقص والواو اسمها وأنفسهم مفعول مقدم ليظلمون وجملة يظلمون خبر كانوا.
{ثُمَّ كانَ عاقبَةَ الَّذينَ أَساؤُا السُّوأى} ثم الفاء عاطفة للتراخي والشروع في بيان هلاكهم في الآخرة بعد هلاكهم في الدنيا وكان فعل ماض ناقص وعاقبة خبر كان المقدم والذين مضاف اليه وجملة أساءوا صلة والسوءى نعت لمصدر أساءوا.
{أَنْ كَذَّبُوا بآيات اللَّه وَكانُوا بها يَسْتَهْزؤُنَ} أن وما في حيزها اسم كان المؤخر ولك أن تجعل السوءى هي الاسم وأن وما في حيزها نصب بإسقاط الخافض أو هي بدل من {السوءى} وفيما يلي نص اعراب أبي البقاء وهو أوضح الأعاريب: قوله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى} يقرأ بالرفع والنصب فمن رفع جعله اسم كان وفي الخبر وجهان أحدهما {السوءى} و{أن كذبوا} في موضع نصب مفعولا له أي لأن كذبوا أو بأن كذبوا أو في موضع جر بتقدير الجار على قول الخليل والثاني أن كذبوا أي كان آخر أمرهم التكذيب والسوءى على هذا صفة مصدر، ومن نصب جعلها خبر كان وفي الاسم وجهان أحدهما {السوءى} والآخر {أن كذبوا} على ما تقدم ويجوز أن نجعل {أن كذبوا} بدلا من {السوءى} أو خبر مبتدأ محذوف و{السوءى} فعلى من الأسوأ وهي صفة لمصدر محذوف والتقدير أساء الإساءة السوءى.
وان جعلتها اسما أو خبرا كان التقدير الفعلة السوءى أو العقوبة السوءى.
وكانوا كان واسمها وبها متعلقان ب {يستهزئون} وجملة {يستهزئون} خبر كانوا.

.[سورة الروم: الآيات 11- 16].

{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ منْ شُرَكائهمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بشُرَكائهمْ كافرينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات فَهُمْ في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا وَلقاء الْآخرَة فَأُولئكَ في الْعَذاب مُحْضَرُونَ (16)}.

.اللغة:

{يُبْلسُ} أبلس فلان فهو مبلس إذا سكت عن يأس ويقال: أبلس الرجل انقطعت حجته فسكت فهو لازم لا يتعدى، وفي الكشاف:
الإبلاس أن يبقى ساكنا يائسا متحيرا يقال ناظرته فأبلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتج ومنه الناقة المبلاس التي لا ترغو وفي القاموس:
وأبلس يئس وتحير ومنه إبليس أو هو أعجمي فقول صاحب المنجد انه يقال أبلسه غلط فظيع وقد علل علساء التصريف قراءة يبلس بالبناء للمفعول بأن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل ثم حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه إذ الأصل يبلس إبلاس المجرمين.
{رَوْضَةٍ} الروضة: كل أرض ذات نبات وماء ورونق ونضارة وفي أمثالهم: أحسن من بيضة في روضة، يريدون بيضة النعامة. وفي الأساس واللسان: بأرضه روضة وروضات ورياض وروّض الغيث الأرض وأراض المكان واستراض أي كثرت رياضه ومن المجاز: أنا عندك في روضة وغدير، ومجلسك روضة من رياض الجنة.
{يُحْبَرُونَ} يسرون يقال حبره إذا سره سرورا تهلّل له وجهه فيه أثره، وفي الأساس: وحبره اللّه سره {فهم في روضة يحبرون} وهو محبور: مسرور قال ابن الرومي يصف العنب:
ثم جلسنا مجلس المحبور ** على حفافي جدول مسجور

وفي الكشاف: ثم اختلفت فيه الأقاويل لاحتماله وجوه جميع المسار، فعن مجاهد رضي اللّه عنه: يكرمون، وعن قتادة: ينعمون، وعن ابن كيسان: يحلون، وعن أبي بكر بن عياش: التيجان على رءوسهم، وعن وكيع: السماع في الجنة وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر الجنة وما فيها من النعيم وفي آخر القوم أعرابي فقال: يا رسول اللّه هل في الجنة سماع؟ قال: نعم يا أعرابي إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة، قال الراوي: فسألت أبا الدرداء بم يتغنين؟ قال: بالتسبيح. وروي أن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث اللّه ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعتها أهل الدنيا لماتوا طربا هذا ويأتي فصل ممتع عن السماع وأثره في باب الفوائد.

.الإعراب:

{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} لفظ الجلالة مبتدأ وجملة يبدأ الخلق خبره، ثم يعيده عطف على يبدأ.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ} الظرف متعلق بيبلس وجملة تقوم في محل جر بإضافة الظرف إليها والساعة فاعل تقوم ويبلس المجرمون فعل وفاعل.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ منْ شُرَكائهمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بشُرَكائهمْ كافرينَ} الواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ولهم خبر يكن المقدم ومن شركائهم حال لأنه كان صفة لشفعاء في الأصل وتقدم عليه وشفعاء اسم يكن وكانوا كان واسمها وبشركائهم متعلقان بكافرين وكافرين خبر كانوا.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الظرف متعلق بيتفرقون وقد تقدم اعراب نظيرها ويومئذ تأكيد لفظي للظرف.
{فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات فَهُمْ في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} الفاء تفريعية وأما حرف شرط وتفصيل والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وجملة عملوا الصالحات عطف على الصلة والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وهم مبتدأ وفي روضة متعلقان بيحبرون وجملة يحبرون خبر هم والجملة خبر الذين.
{وَأَمَّا الَّذينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا وَلقاء الْآخرَة فَأُولئكَ في الْعَذاب مُحْضَرُونَ} عطف على الجملة السابقة ونظيرها في الاعراب ومعنى محضرون أي لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم.